السعودية في مواجهة الإرهاب.. جهود متوازية وتجربة نجاح رائدة
د.محمد صالح الحربي
ويحي التليدي
يتسم الخطاب السياسي السعودي عبر قادته، الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان في مضمونه ومحتواه دائما بالوضوح والاتزان، لإبراز نهج وقيم المملكة العربية السعودية الثابتة والراسخة في مكافحة التطرف والإرهاب بكل أشكاله الأيديولوجية الدينية والعرقية والطائفية.
وسبق أن أعلنت وزارة الداخلية بالمملكة العربية السعودية تنفيذ عقوبة الإعدام بحق 37 جانيا، لتبنيهم الفكر الإرهابي المتطرف، وتشكيل خلايا إرهابية للإفساد والإخلال بالأمن وإشاعة الفوضى وإثارة الفتنة الطائفية، والإضرار بالسلم والأمن الاجتماعي، ومهاجمة المقار الأمنية باستخدام القنابل المتفجرة، وقتل عدد من رجال الأمن غيلة، وخيانة الأمانة بالتعاون مع جهات معادية بما يضر بالمصالح العليا للبلاد.
السعودية في مواجهة الإرهاب.. الريادة والنجاح
تعد المملكة من أوائل الدول التي اكتوت بنار الإرهاب، وهي الدولة الوحيدة على مستوى العالم التي تصدت له بشكل جدي وجففت منابعه. دول غربية كثيرة تعتقد أن هجمات 11 سبتمبر 2001 في نيويورك هي فاتحة الإرهاب العالمي، وتناست أن المملكة تعرضت لعشرات الاعتداءات والهجمات الإرهابية منذ السبعينات الميلادية تحت مختلف عناوين الإرهاب، ومن أبرزها تفجير مجمع سكني بمدينة الخبر عام 1996، كما واجهت المملكة عمليات واعتداءات إرهابية عديدة بعد 11 سبتمبر، بدءا بتنظيم القاعدة بين عامي 2003 و2006 ثم التنظيمات الإرهابية في العوامية شرق المملكة، وداعش أخيرا.
وتعد تجربة المملكة في التصدي لظاهرة الإرهاب أنموذجا يحتذى به، وحظي بتقدير محلي ودولي، لما تتمتع به من خبرة أمنية عالية مكنتها من دحر الإرهاب، فهزمته وانتصرت عليه. كما تمكنت من إجهاض كثير من العمليات الإرهابية بضربات استباقية أفشلت أكثر من 95% من العمليات الإرهابية، وفق استراتيجية أمنية نالت تقدير العالم بأسره. ولهذا يؤكد كثير من المراقبين أن تجربة المملكة في مكافحة الإرهاب وكشف المخططات الإرهابية قبل تنفيذها عكست تفوقا غير مسبوق يسجل للسعودية، وقد سبقت إليه دولا متقدمة كثيرة عانت من الإرهاب عقودا طويلة.
أما على الصعيد الدولي، فقد أسهمت المملكة بفعالية في اللقاءات الإقليمية والدولية المتعلقة بمكافحة الإرهاب وتجريم الأعمال الإرهابية بكل أشكالها، تجسد ذلك في مبادرات وإسهامات عديدة، نذكر منها:
- مبادرة المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، وهي صاحبة الجهود المؤثرة على مستوى العالم، من خلال التعاون الأمني الاستخباري، والسياسي، لمكافحة جماعات الإرهاب الديني المتطرف.
- المملكة أحد أهم الأعضاء الفاعلين في التحالف الدولي لمحاربة داعش.
- تأسيس تحالف إسلامي عسكري هو الأول من نوعه، مقره الرياض ويضم 41 دولة إسلامية، لتنسيق ودعم الجهود في سبيل خدمة المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب وحفظ السلم والأمن الدوليين.
- مراكز «المناصحة» و»اعتدال».. رؤية مستنيرة لاقتلاع الفكر المتطرف
اتخذت المملكة في حربها الطويلة مع الإرهاب جهودا وخططا متوازية لم تقتصر على الجانب الأمني فقط، بل ترافقت معها مشاريع فكرية واجتماعية وتوعوية، ولجان مناصحة واحتواء ورعاية للمغرر بهم من ضحايا جماعات التطرف، كما سنت عددا من التشريعات القانونية والقضائية التي تسهم في حماية المجتمع من آثار هذه الظاهرة وتقضي عليها. تتمثل هذه الجهود في مركزين مهمين:
- مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية، وهو أحد النماذج الفريدة التي تعكس نوعية الرعاية والاهتمام التي تقدمها المملكة للموقوفين، والتي حظيت باهتمام لافت من قبل أجهزة الأمن في دول العالم ومسؤوليها الذين زار كثير منهم المركز وطلبوا الاستفادة من هذا النموذج المميز.
- مركز اعتدال لمكافحة الفكر المتطرف، والذي يعد أول مركز من نوعه لتتبع ومكافحة مصادر تمويل الإرهاب، سواء على مستوى الأفراد أو المنظمات. وقد تأسس في الرياض بشراكة أمريكية خليجية ولا تصدر عنه القرارات إلا بعد مشاركة المعلومات بين كل الأطراف المؤسسة. ويعد أول تجمع دولي يواجه منابع التطرف الفكري ويرصد اللغات واللهجات الأكثر شيوعا لدى المتطرفين، ويتتبع كل مصادرهم المادية والبنكية وممتلكاتهم العينية، ويعمل به مختصون في مكافحة التطرف الفكري بشتى مجالاته.
عمل تكاملي
المملكة مضت في آلية متطورة لمكافحة الإرهاب والتصدي له عبر مسارات عدة:
- لمسار الأمني (الرصد - التتبع - الردع - العمليات الآنية والاستباقية - المعلومات الاستخبارية(.
- المسار الفكري والاجتماعي (المعالجة الوقائية الفكرية(.
- المسار الإعلامي والتوعوي.
- المسار التشريعي (القضائي والقانوني والرقابي(.
- المسار التنموي المتقدم.
ونخص بالذكر المسار التنموي الذي خطت به المملكة خطوات متسارعة غير مسبوقة منبثقة من رؤية 2030، ويعنى بتحسين نمط حياة الفرد والأسرة، وبناء مجتمع ينعم أفراده بأسلوب حياة متوازن، وذلك من خلال تهيئة البيئة اللازمة لدعم واستحداث خيارات جديدة في كل المجالات الثقافية والترفيهية والرياضية والسياحية والاقتصادية، والبنية التحتية والأمن والبيئة الاجتماعية.
ولو تطرقنا على سبيل المثال إلى بلدة العوامية حي (المسورة)، فقد تحول هذا الحي الذي يعد من أقدم أحياء البلدة الذي تصل مساحته إلى 120 ألف متر مربع، ويتكون من 488 منزلا قديما آيلا للسقوط، يقطنها 1500 شخص، خلال 8 أشهر فقط من شوارع وأزقة عشوائية مكتظة بالمنازل القديمة استغلها الإرهابيون ومروجو المخدرات وتجار الأسلحة كمقرات لهم شرق السعودية، إلى حي يضج بالتراث الحضاري والثقافي والاجتماعي، ويجذب الاستثمارات والسياح، وأصبح مركز تنمية لأهل البلدة الذين عانوا منذ سنوات من الجماعات الإرهابية التي هددت المواطن والمقيم واستهدفت رجال الأمن.
السعودية وحقوق الإنسان النهج الثابت
السعودية كانت ولا تزال تراعي في جميع إجراءاتها وأنظمتها وتطبيقاتها جميع المعايير الوطنية والدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان. اليوم ومع رؤية المملكة 2030 تستمر المملكة في هذا النهج الثابت من خلال برامج ومبادرات تطويرية واقتصادية لجميع مناحي الحياة، مع مراعاة وإيلاء حقوق الإنسان الأهمية القصوى، عبر منظمات وطنية مستقلة لحقوق الإنسان، منها على سبيل المثال لا الحصر:
- هيئة حقوق الإنسان
- الجمعية الوطنية لحقوق الإنسان
وهي رسالة لبعض المنظمات الدولية المشبوهة التي تزعم دفاعها عن حقوق الإنسان، بمعايير مزدوجة مغلفة بالمال السياسي الفاسد، وهو ما يتضح لنا من خلال طرحها وتسويقها الإعلامي بانتقائية لافتة لدول معينة دون الأخرى.
بعض هذه المنظمات تسير وفق إملاءات وأجندات خارجية، وتتعامل بانتقائية واضحة، بدليل التركيز الإعلامي المكثف والمكرر على إعدام ثلة قليلة من الإرهابيين بالسعودية ممن ثبت تورطهم بالقتل والإرهاب، أو أنها لا تدرك أن التنظيمات القانونية والتشريعية خاضعة لسيادة الدول، ومنها قانون عقوبة الإعدام!
عقوبة الإعدام.. الردع لحفظ الأمن وتحقيق العدالة
عقوبة الإعدام بغض النظر عن كونها تشريعا دينيا، فإنها كانت على مر التاريخ عقوبة تطبق في جميع أرجاء المعمورة كضامن أساسي للعدالة بين المجتمعات. عندما يستهدف المجرم المجتمع بالقتل والإرهاب، ويسعى للإضرار بمصالحه ومقومات وجوده، فإنه يصبح من الضروري تخليص المجتمع منه، وليس الأمر ثأرا أو قسوة من المجتمع أو القانون، ولكنه تحقيق للعدالة وحفظ للنفس البشرية وضامن للأمن.
فإذا كان العالم اليوم يعاني تزايدا مطردا في جرائم الإرهاب والقتل والمخدرات، فإن مسألة الإبقاء على عقوبة الإعدام أصبح ضرورة تجاه كل من يساهم في أعمال إرهابية تمس حياة الأفراد وأمن المجتمعات.
دول كثيرة كانت قد علقت تطبيق عقوبة الإعدام ثم عادت لتطبيقها مثل تركيا وسريلانكا والمالديف وماليزيا وبعض الولايات في أمريكا. وذلك لأنها لاحظت تزايد السلوك الإجرامي بشكل ملحوظ بين مجتمعاتها.
ليس ممكنا إيجاد لائحة موحدة للقوانين العقابية بين دول العالم كما في الاقتصاد مثلا لضمان المصالح المالية، لأنها تخضع لفلسفة الشرائع والأديان، وكذلك خصوصية مجتمعات تلك الدول. لذلك من الطبيعي أن تستقل كل دولة بقوانينها التي تضمن لها تحقيق العدالة والحفاظ على أمنها الوطني الذي هو مسؤوليتها وحدها، وهي الأقدر على تحقيقه والحفاظ عليه.
ونحن في السعودية كدولة مصدر تشريعها القرآن والسنة، لا يسعنا أن تخالف التشريع الجنائي الإسلامي الذي يقرر عقوبة الإعدام في بعض جرائم القتل والإرهاب.
وقد أشارت بعض المصادر العالمية الموثوقة إلى أن:
35 دولة نفذت عقوبة الإعدام بين عامي 2013 و2017.
21 دولة لم تنفذ حكم الإعدام بين 2013 و2017 رغم أنها لم تلغ العقوبة.
7 دول تسمح بعقوبة الإعدام في بعض الجرائم الخطيرة فقط في ظروف استثنائية مثل زمن الحرب.
29 دولة يسمح فيها القانون بتطبيق عقوبة الإعدام، ولكنها لم تطبقها لعشر سنوات على الأقل، وهناك التزام بعدم تطبيقها.
56 دولة تبقي القوانين التي تسمح بتطبيق عقوبة الإعدام، وهي إما طبقت العقوبة أو لم تصدر إعلانا رسميا بعدم تطبيقها.
أخيرا، نستطيع القول إن المملكة العربية السعودية ماضية بأنظمتها وقوانينها وفق قيمها ومبادئها الرفيعة لتحقيق الأمن والاستقرار والرفاه لموطنيها وكل شعوب العالم، وستكون نبراسا للدول الحديثة المتقدمة التي تضع في أولوياتها بناء الإنسان وجودة الحياة.