التعامل الإنساني هو قمة التعاطي البنّاء الذي يساعد أصحاب الفكر الضال على العودة إلى رشدهم
عرفت المملكة بتعاملها البناء والإنساني والإسلامي مع أصحاب الفكر الضال الذين غرر بهم وغسلت عقولهم بأفكار دموية، من قبل أجندة خارجية حاقدة جعلتهم أداة لسحق أنفسهم وإزهاق أرواح الآمنين في محاولة فاشلة وبائسة لإشعال نار الفتنة واللعب بورقة الطائفية وتفكيك روابط الوحدة الوطنية، ودائما تسعى وزارة الداخلية إلى توفير الحياة الكريمة والآمنة لأسر أصحاب الفكر الضال ليكونوا شركاء لهم في احتواء هذا الشاب وإصلاحه وبنائه بشكل قويم.
(المعالجة الفكرية والدمج)
وذكر المستشار الاجتماعي بمركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية الدكتور حميد الشايجي أن المملكة تتعامل مع قضايا التطرف والإرهاب والفكر الضال بالإجراءات الأمنية المتبعة في كل دول العالم من القبض والتحقيق والإحالة للمحاكمة وتنفيذ الأحكام، لكن هذه المشكلة مشكلة فكرية وليست سلوكية والمشاكل الفكرية تحتاج إلى معالجة مختلفة عن الأساليب المعتادة في الجرائم الجنائية، لأن تلك الجرائم سلوكية أما جرائم الفكر المنحرف والفكر الضال فمنبعها قضية فكرية، لذلك نهجت المملكة نهجا جديدا بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وزير الداخلية - رحمه الله - عندما نادى بمواجهة الفكر بالفكر والتعامل مع هؤلاء بطريقة مختلفة من خلال إنشاء برنامج للمناصحة، وكانت المناصحة في بدايتها شرعية، ثم تمت إضافة الجانبين الاجتماعي والنفسي.
وأضاف الشايجي: هذا الإجراء يعتبر راقيا وحاز على إعجاب الكثير من دول العالم في أسلوب التعامل مع هذه المشكلة الخطيرة. والمعالجة الفكرية تسير بشكل مكمل للعمليتين الأمنية والعدلية وليست بديلا عنهما، وهناك إجراءات لإعادة تأهيل من انحرف عن جادة الطريق السليم ليصبح مواطنا صالحا في المستقبل، لأن هذا الإنسان مهما سجنته فهو في المحصلة سيخرج للمجتمع، لذا وجبت معالجة فكره وتأهيله وتهيئته قبل إطلاقه للمجتمع، ويجب دمجه تدريجياً كي يستطيع أن يتكيف مع الحياة الاجتماعية بشكل صحيح بعد انقضاء مدة سجنه.
ومن هنا جاءت فكرة إنشاء مركز الأمير محمد بن نايف للمناصحة والرعاية وهو مرحلة تكميلية للمراحل الأمنية السابقة، فالمركز يعتمد على سياسة عامة وهي إعادة التأهيل والدمج التدريجي في المجتمع من جديد بطرق إنسانية راقية، فهؤلاء هم أبناؤنا، وهم أبناء الوطن، وبالتالي لابد من إعادة تأهيلهم ليكونوا أعضاء نافعين في المجتمع، فالمركز عبارة عن مؤسسة تربوية تعمل من خلال منظومة من البرامج المتنوعة التي تساعد في تأهيل من وقع في براثن الفكر الضال. وتشمل هذه البرامج: البرنامج الشرعي والنفسي والاجتماعي والاقتصادي والتاريخي والسياسي والثقافي والرياضي والتدريبي والمعالجة بالفن التشكيلي والهدف منها أن تغطى جوانب الشخصية الإنسانية المختلفة، فقد تكون العوامل التي دفعت شخصا ما إلى الانحراف تختلف عن شخص آخر، لذلك تتنوع البرامج حسب احتياج كل شخص.
(3مراحل للمناصحة العلاجية)
وأكد الشايجي أن البرامج التي تقدم من قبل المركز تتم على 3 مراحل رئيسية، المرحلة الأولى: تسمى المناصحة وهي من شقين: مناصحة وقائية تتم في المجتمع بالتعاون مع المؤسسات المجتمعية، ومناصحة علاجية تتم داخل السجون عن طريق جلسات متخصصة مع السجين من قبل فريق شرعي اجتماعي نفسي، لمناقشة السجين في القضايا والشبهات التي أثرت فيه ودفعته لاعتناق هذا الفكر وتفنيدها والرد عليها.
أما المرحلة الثانية فهي: مرحلة التأهيل وتتم داخل المركز بحيث يتم نقل السجين قبل انتهاء فترة محكوميته بثلاثة أشهر للمركز، ويوجد مركزان في الرياض وجدة، ومنذ قدوم السجين للمركز يتم التعامل معه بإيجابية تساعده في تغيير حاله، حيث يطلق عليه مستفيد بدلا من سجين، ويراد من تغيير المصطلح تغيير الإنسان في ذاته.
وفي المركز تتم عملية الدمج التدريجي للمستفيد، فهو يخرج إلى المجتمع عن طريق الزيارات المقننة المتكررة كل فترة بحيث يذهب إلى أسرته، وإذا واجهته مشكلة يستشير المختصين والمستشارين في المركز لمساعدته في حلها وإرشاده إلى مواجهة المشكلة بدلا من الهروب منها، حيث إن بعض الشباب الذين ذهبوا إلى مناطق الصراع خرجوا هروبا من مواجهة بعض المشاكل النفسية أو الاجتماعية التي يعانون منها.
وهنا نحاول تقويتهم وتمكينهم من مواجهة المشاكل ومعالجتها بدلا من الهروب منها. كما يتم تأهيلهم على بعض الأعمال والمهن والتفكير الايجابي من خلال منظومة من الدورات المتخصصة.
أما المرحلة الثالثة فهي: مرحلة الرعاية اللاحقة، حيث يستمر تواصل المركز مع المستفيد بعد تخرجه للتأكد من اندماجه وتكيفه مع بيئته الاجتماعية وتقديم خدمات مختلفة له تساعد على تسهيل وتيسير اندماجه في مجتمعه.
وحققت هذه المنظومة المتكاملة من البرامج نسبة نجاح عالية ومميزة مشهود لها علميا عند مقارنتها ببرامج التأهيل الأخرى على المستوى العالمي، كما أن هناك حالات انتكاسة قليلة ومحدودة وهو أمر متوقع في حالة التعامل مع هذا النمط من القضايا ذات الطابع الفكري، ويتم التعامل معها في حينه، وبعض حالات الانتكاسة هذه في حقيقتها مخالفة لشروط إطلاق السراح، وليست انتكاسة حقيقية تتمثل في القيام بأعمال متطرفة إرهابية.
(تعامل إنساني)
وقال العقيد الدكتور نايف السحيمي: تقوم وزارة الداخلية بدور مهم وجوهري في تصحيح فكر من تأثر بهذه اﻷفكار المنحرفة من خلال الإصلاحيات التي لم تكن أماكن للعقاب، لكنها كانت مكانا وفر لهم بيئة ممتازة لتصحيح أفكارهم من خلال لجان المناصحة التي يشارك فيها علماء أصحاب توجه سليم وعقيدة صحيحة يفندون شبهاتهم وينيرون لهم الطريق بالحكمة والموعظة الحسنة وفق منهج دعوي قائم على المنهج النبوي الشريف في عيش كريم وحرية اختيار لا يجبرون على اﻷخذ إلا بما يقتنعون به ليكون توجههم الجديد راسخا.
وقد أنقذ الله الكثير بهذا اﻷسلوب الراقي وصلحت توجهاتهم، كما وفرت الوزارة ﻷسرهم حياة كريمة لا تجعلهم يشعرون بفقد من يعولهم، ووفرت الظروف لزيارة أسرهم إياهم في أجواء مناسبة لتعيد دمجهم في المجتمع بعيدا عن التطرف، وهذا التعامل اﻹنساني هو قمة التعاطي البناء الذي يساعد على عودة هؤلاء اﻷشخاص إلى رشدهم ويجعلهم عوامل بناء في المجتمع وليسوا أدوات هدم، وهذا جزء من اﻹجراءات المختلفة التي تسلكها الوزارة لمساعدة من ضل من أصحاب الشهوات والشبهات في المملكة.
(أخطار المنهج الضال)
وذكر المحامي يوسف الجبر أن وزارة الداخلية تطوي في جوانحها رغبة أصيلة في استقامة سلوك كل مواطن وسلمية تصرفاته، ولو ثبت تطرف أي فرد فهي نهاية غير محببة للسلطة الأمنية وتضطر عندها لممارسة دورها الحمائي لبنيان الوطن ونسيج المجتمع.
فالأصل هو تمني تمثل الجميع أخلاقيات الشرع وفضائل السلوك، وبعدهم عن مواقف الضرر والتدمير، واحترامهم النظام وحقوق الآخرين، لذلك وضعت الوزارة برامج عديدة تهدف إلى التوعية بأخطار المنهج الضال وعواقبه الوخيمة، وجهزت فرق مناصحة لمن ابتلي بهذا الفكر الدموي.
كما نلحظ وجود دعم لمن يستجيب لنداءات التوبة والعودة عن منهج الغلو، ومساعدة في تمتعه بحياة كريمة وانسجامه بعيش سوي مع مجتمعه.
ولا يجب أن نغفل الهدف الإنساني لعمليات تعقب المتطرفين فهي تقتص من قاتلي الأبرياء ومن أطلق رصاص الغدر ضد شرفاء، فهذا الدور يحرس حياة البشر، ويحافظ على أجواء السكينة والأمان، ومن هنا نحن ننظر بامتنان لوظيفة رجال الأمن، وندعو لهم بالخير والسلامة.
(جريدة اليوم)