اختلطت مشاعر الفرح والندم في قلب الشاب السعودي سعد بن إبراهيم البدنة بعد ما وطأت قدماه أرض الوطن قادماً من معتقل "غوانتانامو" بعد فترة من الاعتقال استمرت أكثر من أربع سنوات قضاها بسبب اندفاعه خلف بعض الفتاوى لدفع الشباب للهاوية بدعوى الجهاد في سبيل الله.
مشاعر الفرح التي عبر فيها الشاب البدنة العائد مبعثها شعوره بالامتنان لولاة الأمر - حفظهم الله - وجهودهم في إعادته وإنهاء معاناته خلف جدران السجون الأميركية والغربة القاسية وعذابات أسرته التي فجعها خبر القبض على ابنها أما مشاعر الندم، فمبعثها ضياع بعض أجمل سنوات العمر، والتسبب في معاناة والده الذي أصيب بجلطة فور علمه بنبأ القبض على ابنه.
"الرياض" حرصت على رصد مشاعر الفرح والندم وعرض تجربة الشاب سعد البدنة بكل ما فيها من خلال هذا الحوار :
الاندفاع
- بداية نود أن تحدثنا عن رحلتك منذ خروجك للمملكة وحتى عودتك إليها؟
بدأت هذه الرحلة الشاقة بعد أن خرجت من المملكة وحيداً مدفوعاً بحماس الشباب قاصداً الجهاد في سبيل الله في أفغانستان التي وصلتها عن طريق السفر إلى سوريا ثم إيران .
وفي أفغانستان كانت الحرب مشتعلة ضد طالبان والأمور غير واضحة بالنسبة لي، فقررت مغادرة أفغانستان إلى باكستان قاصداً العودة إلى المملكة، إلا أنه ألقي القبض عليّ في باكستان وتم تسليمي إلى القوات الأميركية التي اودعتني في سجن غوانتانامو قبل أن تتدخل السلطات السعودية لاعادتي إلى المملكة بعد سنوات من ا لمعاناة.
- وماذا كان شعورك بعد وصولك إلى المملكة؟
بالطبع شعور بالسعادة والامتنان لولاة الأمر - حفظهم الله - الذين بذلوا جهدهم لإعادتي وعدد من الشباب السعوديين الذين مروا بنفس تجربتي ولا سيما في ظل الاستقبال الطيب والمعاملة الحسنة التي وجدناها من ا ل أجهزة السعودية منذ وصولنا إلى المملكة، وحتى الآن والحقيقة انني لم أكن أتوقع هذه المعاملة الطيبة والرعاية الكبيرة التي تم احاطتنا بها، وقد علمنا من المسؤولين بالسجن الذي تم إيداعنا فيه بعد وصولنا أن هناك توجيهات من صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية برعايتنا وتوفير جميع حاجاتنا.
النــدم
- ما هي اللحظة الأصعب التي مرت بك بعد وصولك إلى المملكة؟
أصعب لحظة هي تلك التي قابلت فيها عائلتي بعد سنوات من الفراق، فقد شعرت بندم شديد على كل ما سببته لوالدي ووالدتي واخوتي من معاناة وقلق وحزنت جداً عندما عرفت أن والدي أصيب بجلطة نتيجة حزنه الشديد بعدما علم بالقبض عليّ وإيداعي السجون الأميركية بتهمة الإرهاب، ولك أن تتخيل أن بعض أشقائي لم استطع التعرف عليهم عندما جاؤوا لزيارتي حيث إنهم كبروا وتغيرت ملامحهم أثناء فترة غيابي عن السعودية.
فتاوى مضللة
- نود أن تحدثنا عن بداية رحلتك والدوافع وراء خروجك إلى أفغانستان؟
قد لا يصدق الكثيرون انني لم أكن ملتزماً دينياً، رغم حرصي على الصلاة - لكنه الحماس والغيرة اللذان يشتعلان في قلوب الشباب وللاسف فقد انسقت وراء بعض الفتاوى التي يطلقها البعض على الانترنت والتي تدعو الشباب إلى الجهاد في مناطق بعينها وتزين لهم ذلك، بعظم الأجر والثواب، ومكانة الشهداء في الجنة والحور العين اللاتي تنتظرهم وهذه الفتاوى تؤثر كثيراً في الشباب الذين لا يملكون الوعي أو ا لعلم لمناقشتها أو ا لنظر في صحتها.
- بعد وصولك إلى أفغانستان هل وجدت فكرة الجهاد كما تصورتها وسعيت إليها؟
عندما وصلت كانت الحرب على أشدها ضد \"طالبان\" والقصف لا يتوقف، ولم تكن الأمور واضحة أمام عيني، وخاصة انني لم أكن هناك سوى شهرين فقط، وهي فترة لا تسمح لك برؤية الأشياء على حقيقتها، لكن أكثر ما كان يشغلني ان المسلمين هم الذين يتقاتلون فيما بينهم وقد كان هذا هو السبب في مغادرتي إلى باكستان فالجهاد لا يكون أبداً في قتال المسلم لأخيه المسلم.
- قلت انك قضيت شهرين في أفغانستان، فهل التقيت بأحد من قيادات طالبان، وكيف تم استقبالك هناك .
لم التق هناك بأي شخصية من قيادات طالبان أو القاعدة ولم يكن أحد منهم في استقبالي، فالمسألة تتم بشكل عادي جداً، وليس من السهل الالتقاء بمثل هؤلاء الأشخاص، بعض الأفراد العاديين هم الذين يدبرون لك مكان إقامتك ويتولون تدريبك تدريباً عادياً .
- من خلال تجربتك هل شعرت بأن هناك جهادا حقيقيا في أفغانستان؟
الفترة التي قضيتها هناك لم تسمح لي برؤية الصورة كاملة، ولست من العلم الذي يجعلني أميز الجهاد الحقيقي من غيره من الممارسات التي تسمى بالجهاد، لكنني وجدت هناك أناسا ملتزمين دينياً وبعضهم صغار السن الذين حضروا مدفوعين بحماس الشباب وقلة علمهم بأمور الدين أو متأثرين ببعض الفتاوى التي يطلقها بعض الأشخاص من المحسوبين على العلماء، أو نتيجة لبعض الصور المغلوطة والتي لا تخلو من مبالغات حول حقيقة الوضع في أفغانستان، ومثل هذه الأمور هي التي دفعتني للخروج دون علم الأهل أو حتى استئذانهم ودون تفكير في الفكر الجهادي الصحيح وشروطه وضوابطه .
أدركت خطأي
- هل تشعر الآن بالخطأ في خروجك واندفاعك وراء بعض الفتاوى غير المسؤولة؟
بالطبع، وادركت انني اخطأت وانه كان من المفروض أن استأذن ولاة الأمر في خروجي وأسأل العلماء المشهود لهم بالعلم والتقوى وهم كثر في بلادنا ولله الحمد. والحمد لله فقد وصلت إلى قناعة أن الجهاد الحق الذي استطيع أن أؤديه الآن هو الجهاد في رعاية والدي .
- قبل سفرك إلى أفغانستان هل كان يوجد من يحثك على ذلك ويشجعك على السفر؟
لم يكن هناك تجمعات أو تنظيمات معينة تابع لها، وخاصة انني لم أكن ملتزماً قبل سفري، لكن بالطبع كانت هناك بعض الفتاوى التي تحث على ذلك، وتنتشر على بعض مواقع الانترنت، وكان لهذه الفتاوى تأثيرها في كثير من الشباب سواء المتدينون الملتزمون أو غيرهم .
- هل التقيت بشباب سعوديين خلال وجودك في أفغانستان؟
لم التق هناك بأي شخص سعودي وربما كان هناك بعض السعوديين، لكن قصر فترة وجودي هناك لم تسمح لي بلقاء أي منهم فضلاً عن الوضع كان سيئاً وصعباً للغاية فلا مجال لمقابلة أحد أو التعرف على أحد أو معرفة أي شيء عن التنظيمات أو الجماعات التي تقاتل هناك، لكن بمجرد أن تقول إنك عربي، تجد بعض الأفراد التابعين لطالبان والتي كانت تتولى هناك ييسرون لك الدخول وهم يتحدثون اللغة العربية الفصحى بطلاقة شديدة وهؤلاء الأشخاص هم الذين يتولون تدريب الشباب في معسكرات خاصة، لكنني عندما وصلت لم أدخل هذه المعسكرات لأنها كانت مغلقة بفعل الحرب ولا يوجد اهتمام بأي شخص جديد، وهذا المناخ جعلني أشعر أنني تائه وان كل ما قيل لي عن الجهاد ليس صحيحاً بالمرة، فكان قراري بالمغادرة قبل القبض علي .
- كيف تم القبض عليك، وما هي الفترة التي قضيتها في غوانتانامو؟
عندما خرجت من أفغانستان كنت بمفردي وبمجرد وصولي الى الباكستان تم القبض علي وبعد فترة وجيزة تم تسليمي الى القوات الأميركية التي أخذتني إلى جوانتانامو حيث قضيت أربع سنوات وثمانية أشهر .
مناقشة العلماء والمشايخ
- بعد عودتك هل جلست الى لجان المناصحة، وما الذي تغير في تفكيرك؟
بدأ تفكيري يتغير وأرى الصورة على حقيقتها وأدرك خطأي قبل القبض علي، وعندما عدت الى المملكة كان لنا جلسات مع عدد من كبار المشايخ والعلماء الذين استفدنا منهم كثيراً وأناروا عقولنا بتعاليم الإسلام السمحة، ولو أنني أتيح لي ذلك قبل السفر ما سافرت، فمناقشة العلماء والمشايخ منحتنا القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ ودلتنا على الطريق الصحيح .
- من خلال تجربتك هل ثمة أسباب خاصة لدى الشباب تدفعهم لاعتناق بعض الأفكار المنحرفة وارتكاب أعمال إرهابية؟
بالطبع هناك أسباب خاصة بالشباب وفي مقدمتها الفراغ والبطالة ورغبة الشباب في تحقيق ذواتهم، فأنا على سبيل المثال لم يتجاوز تعليمي المرحلة الابتدائية وجلست بلا عمل سنوات طويلة قبل سفري لأفغانستان، ومثل هذه الأمور يمكن أن تقود الشاب إلى الانحراف ولاسيما إذا وجد من يغذيه بالأفكار المغلوطة والجلوس إلى العلماء هو الحل الأمثل لإنقاذ الشباب من هذا الخطر، وتفنيد الفتاوى المضللة التي تطلق للتأثير في الشباب واستغلال حماسهم .
- لكن هل ترى أن اطلاق فتوى ما على شبكة الانترنت يمكن أن يكون سبباً لإقناع شاب بالسفر الى الجهاد دون تيقن من صحة هذه الفتوى؟
لاشك أن المشكلة تكمن في تسرع الشباب وحماسهم وقلة علمهم، وهذا حدث معي فلم أفكر في التأكد من صحة هذه الفتاوى، ولم أستشر أحدا، فوقعت في خطأ كبير، اسأل الله المغفرة .
التطرف يشوه صورة الإسلام
- ما صحة ما يقال عن تأثير بعض الأصدقاء في تحريض الشباب على الجهاد وتزيينه لهم دون علمهم؟
هذا صحيح الى حد كبير، ودوافعه تختلف من شخص إلى آخر، وكذلك درجة التأثير .
- هل تشعر أن الدعاوى الجهادية دائماً ما تركز على الشباب الذين في بداية التزامهم الديني؟
الدعاوى الجهادية تستهدف الجميع، لكن الشباب الذين يكونون في بداية التزامهم الديني يتأثرون بهذه الدعاوى أكثر من غيرهم بسبب قلة علمهم وحرصهم على الالتزام بدرجة تصل إلى التطرف والغلو، دون إدراك لمخاطر هذا التطرف والذي يسيء إلى الإسلام ويمنح أعداءه الفرصة لتشويه صورته الناصعة وتصويره كدين دموي منفر وهذا يعرقل جهود الدعوة ويصد الناس عن الإسلام .
- في ختام هذا الحوار ما هي الرسالة أو الكلمة التي تريد أن تقولها؟
الرسالة الأولى أرفعها الى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز وسمو وزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز وسمو نائبه صاحب السمو الملكي الأمير احمد بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية حفظهم الله معرباً عن خالص شكري لجهودهم في الإفراج عن من في السجون الأميركية وعودتي الى وطني .
أما رسالتي الثانية فأوجهها الى كل الشباب أن يجلسوا الى العلماء المشهود لهم بالتقوى والصلاح وألا ينقادوا وراء الدعاوى الباطلة المضللة وان تسترت بستار الدين .
- ما هي أمنياتك وخططك بعد عودتك الى وطنك؟
ارجو من الله ان يوفقني ويعينني على البر بوالدي وإكمال نصف ديني بالزواج وتكوين أسرة مستقرة وان تمنح لي الفرصة لخدمة بلادنا المباركة التي لم تبخل على ابنائها بشيء.
جريدة الرياض العدد13984 السبت 7 اكتوبر 2006 م