د. أحمد الجميعـة
تشكّل الجيل الثاني من "القاعدة في جزيرة العرب" بعد الحرب على أفغانستان، وتعدّدت رموزه من الهالك "يوسف العييري"، و"خالد حاج"، و"عبدالعزيز المقرن"، و"صالح العوفي" وغيرهم، حيث قادوا عمليات إرهابية في المملكة، وقتلوا الأبرياء في مواقع عدة، ولكنهم واجهوا نهاية مصيرهم، وأفكارهم، ومغامراتهم، ثم خرج اتباع هذا الجيل العام 2006 من المملكة، واستقر في اليمن، وقاد عملياته من هناك، ومنها محاولة اغتيال -ولي العهد- الأمير محمد بن نايف، وحادثة الاعتداء على المنفذ الحدودي في نجران، وغيرها، ولكن اللافت في هذا الجيل أنه تحوّل من شعاره الكاذب "إخراج المشركين من جزيرة العرب" إلى قتل المصلين في المساجد، واستهداف رجال الأمن، وتجاوز ذلك إلى التخطيط بقتل علماء ومسؤولين ورجال إعلام، وضرب اقتصاديات الوطن ومواقع حيوية أخرى، وهو ما كشفته نهاية مداهمة "شقة الخالدية" في مكة المكرمة.
هذا المدخل التاريخي الموجز يكشف عن دموية تنظيم "القاعدة"، واستباحته للأنفس المعصومة، وإثارة الخوف وعدم الاستقرار في المملكة، ورغم ما لقيه من دعم، إلاّ أن الأجهزة الأمنية استطاعت بكفاءة نوعية على مستوى الأفراد والمعدات فضلاً عن دقة المعلومات في مواجهة هذا التنظيم، وقتل أبرز عناصره، والقبض على عدد من المتورطين والمحرّضين، وتطهير المجتمع من شروره وأفكاره الضالة.
وهذا النجاح الأمني الذي حظي بتقدير عالمي واسع كان له تبعات وتضحيات من رجال أمن سقطوا في مواجهات مع التنظيم، وآخرين سقطوا غدراً وتفجيراً في مواقع أخرى، إلى جانب ما أسفر عنه من خسائر كبيرة في الممتلكات، وهو أمر متوقع؛ فالأجهزة الأمنية كانت تخوض حرباً شرسة مع عناصر مستعدة للموت والانتحار في سبيل تحقيق أهدافها التي فشلت، حيث خرج الوطن منتصراً بوحدته، وأمنه، واستقراره، وهو ما كان يراهن عليه الجميع من أن "الإرهاب الأجير" لا يمكن أن تكون له قدم في مجتمع ينبذه، ولا يستقيم مع معتقده، وشريعته، ومنهجه المعتدل.
اليوم هو ذاته المجتمع يطالب بالقصاص من هؤلاء القتلة، والمحرّضين، وينادي في أكثر من مناسبة أن يكونوا عبرة لغيرهم؛ لأنهم لا يقبلون أن تكون هذه الفئة مشروعاً لتشويه دينهم، ووطنهم، ولا يقبلون أيضاً أن يكونوا هدفاً لهم تحت أي مسوغ فكري منحرف.
وعي المجتمع اليوم بخطر إرهاب "القاعدة" أو "داعش" أو ما جرى في "العوامية" ممتد إلى كل من يحاول أن يثير الفتنة، أو يحرّض عليها، فلا فرق بينهم، مادام أن الوطن مستهدف من أي واحدٍ منهم، ولا سبيل لذلك إلاّ بالقصاص وتطبيق شرع الله فيهم.
المجتمع اليوم هو أحرص من قيادته على أمنه واستقراره، ومشروعه الوحدوي الذي ناضل من أجله "عبدالعزيز" ورجاله لننعم به، ولا يسمح لكائن من كان أن ينال منه، أو يسيئ إليه، وهو خط أحمر لا يسمح لأحد أن يتجاوزه، وحتى يكون ذلك لا بد من القصاص من هؤلاء المجرمين الذين كفّروا وقتلوا وأثاروا الفوضى وتعاونوا في سبيل ذلك مع منظمات وتنظيمات معادية.
المملكة التي عانت من الإرهاب فكراً وسلوكاً تراهن على وعي مجتمعها من خطر هذه التنظيمات، وتدرك أن جبهتها الداخلية كانت ولا تزال في اختبار حقيقي لمواجهتها، والتصدي لها، ونجحت بفضل تمسكها بالدين الذي شوهه الإرهاب، ووحدتها التي هي أساس قوتها، وإنسانها الذي سيبقى في سبيل ذلك مدركاً لواجباته، ومسؤولياته، وقادراً على التعبير الإيحابي للأفكار، وملتزماً بالسلوك الوسطي المعتدل؛ للخروج من كل ذلك إلى آفاق أوسع من التنمية، والنهوض بالوطن إلى العالم الأول، مهما كانت التحديات، ومنغصات الأعداء؛ لأننا انتصرنا على الإرهاب، وبقي لنا أن نتعامل مع تداعياته الدولية بشكل أفضل.
(الرياض)