خالد الدوس*
لاشك أن مجتمعنا السعودي الفتي يعيش اليوم بمكوناته ومتغيراته انفتاحا معلوماتيا، وانفجارا تقنيا، وتحولا ثقافيا واقتصاديا واجتماعيا بصورة رهيبة.. يشهدها نسيجنا المجتمعي بسبب وتيرة التحديث والمعاصرة التكنولوجية التي ألقت بظلالها على واقع النسق الأسري وبنائه، فبرزت شبكات التواصل الاجتماعي أو الإعلام الاجتماعي الجديد بثوبه التقني القشيب، وكذلك الألعاب الالكترونية في عالمها الافتراضي، وبالتالي باتت الأسرة تواجه كثيراً من التحديات الثقافية في قالبها الرقمي، فظهرت بعض الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تهدد سلوك وثقافة ووعي الأطفال..
ومن هذه(القضايا الوبائية) التي غزت عقول وعواطف وخيال وسلوك بعض الأطفال ناشرة أذواقا وقيما وعادات شاذة، ما يسمى (بالإدمان التقني) في الألعاب الالكترونية المختلفة، ومعروف أن هذه الأجهزة والألعاب المختلفة أصبحت في متناول مراحل عمرية معينة وهي تحديدا فئة الأطفال والمراهقين الذين يقضون ساعات طويلة أمام شاشات الأجهزة الالكترونية يعيشون في عالمهم الافتراضي تفاعلا غير عادي لدرجة قد يهدد اتجاهاتهم السلوكية والأخلاقية والنفسية والاجتماعية والعاطفية والانفعالية والعصبية والصحية والفكرية.
إذا ارتفع هرمون الإدمان التقني واتسعت دائرة التعاطي في هذا العالم الافتراضي، فبقدرما لهذه الألعاب الالكترونية من ايجابيات وفوائد، منها الترويح عن النفس كما أن اللعب وحسب معطيات علم الاجتماع التربوي، يوّسع المدارك وينمي المهارات الإبداعية، شريطة أن يكون أسلوب التعامل والتفاعل معها واستخدامها بصورة أكثر اتزانا ووعيا، ومن دون إفراط ولا تفريط.
ولكن إذا تجاوزت هذه الممارسات حد الاعتدال والعقلانية وتحولت - كيميائيا - إلى حالة من الإدمان الرقمي تصبح ذات آثأر خطيرة على السلوك وثقافة الأطفال والمراهقين، فقد كشفت احدى الدراسات المتخصصة أن الإدمان على بعض الألعاب والأجهزة الالكترونية، ومشاهدة العنف عبر شاشة التلفاز، تعلم الأطفال والمراهقين أساليب ارتكاب الجريمة والعنف والعدوانية والكراهية والانتقام، كما أن للحالة الادمانية الرقمية آثار اجتماعية قد تصل إلى إصابة الطفل بالعزلة الوحدانية والاغتراب الاجتماعي، وتتزايد لديه مساحة الانفصال عن الواقع وبالتالي يصبح خجولا، لا يجيد الكلام والتعبير عن نفسه، يعاني من خلل وظيفي في علاقاته الاجتماعية والتفاعل في محيطه البيئي.
هذا فضلا عن الآثار النفسية والصحية والتربوية التي كشفتها بعض الدراسات العلمية والأبحاث المتخصصة.
وفي دراسة أمريكية أظهرت معطياتها البحثية أن ألعاب البلاستيشن يمكن أن تؤثر في الطفل فيصبح عنيفا ومتطرفا في فكره، وقد إشارت الدراسة إلى أن كثيرا من ألعاب (القاتل الأول) الموجودة في بعض الألعاب الالكترونية تزيد رصيد اللاعب في النقاط كلما تزايد عدد قتلاه، وبالتالي من الممكن أن يكتسب الطفل سلوكيات إجرامية معادية وأفكارا هادمة لا نستغرب أن يصبح القتل عنده أمرا مقبولا وممتعا..!
ولذلك أصبحت الجماعات الإرهابية والمنظمات المتطرفة تستعين بعدد من الوسائل الخفية التي تمكنها من التواصل والتجهيز لعملياتها الإرهابية بكل سهولة بعيدا عن أعين الأجهزة الاستخبارتية المختلفة، فأجهزة الألعاب الالكترونية التي تستغل في عملية غسل الأدمغة الشابة والتأثير فيها بالأفكار الضلالية والآراء المنحرفة لم تعد فقط لاصطياد العقول المراهقة، وإنما باتت أيضا من الوسائل التي تساعد الإرهابيين على تجهيز عملياتهم الإجرامية وإعمالهم الضلالية، كما حصل مؤخرا في الهجوم الارهابي على باريس الذي تسبب في مقتل 127 شخصا وإصابة المئات، اذ كان نقطة التحول في هذه الإعمال الإرهابية هي أجهزة اللعاب الالكترونية التي استخدمها أصحاب الفكر المنحرف في تحقيق أهدافهم والقيام بأعمالهم الانتحارية، ولذلك ينبغي رفع سقف (الوعي الأسري) على نحو يعزز دور الرقابة على الأبناء وعدم تركهم لساعات طوال أمام شاشة الأجهزة الترويحية الالكترونية والعاب الفيديو، وضرورة متابعتهم إثناء استخدامهم المواقع الالكترونية واللعب داخل عالمها الافتراضي، كما أن للمؤسسات الدينية والإعلامية والتربوية والتعليمية والأمنية دورا بنيويا وحراكا تنويريا في تحقيق الأمن الفكري والأخلاقي، وتوعية المجتمع بخطورة استغلال هذه المواقع الالكترونية والألعاب من أرباب الفكر المنحرف في التأثير في صغار السن ومحاولة جرهم إلى مستنقعهم العفن وبيئتهم الفاسدة.
* باحث أكاديمي متخصص
في القضايا الاجتماعية
جريدة الرياض